الأحد، ٧ أكتوبر ٢٠٠٧

بعد خمسين سنة قصة قصيرة ـ الكتابة حياتى وبدونها لا أعيش

محمود البدوى
بعد خمسين سنة قصة قصيرة
الكتابة حياتى وبدونها لا أعيش


أجرى الحوار : مكتب الشرق الأوسط
عنوان الدورية : الشرق الأوسط
تاريخ النشر 7/9/1984


الكاتب القصصى الكبير محمود البدوى يعكف هذه الأيام على كتابة مجموعة قصصية قصيرة من وحى زيارته الأخيرة لبيت الله الحرام ، والبدوى اسم كبير فى عالم القصة القصيرة فى مصر والعالم العربى .. أنجز عدة مجموعات قصصية متميزة ، ورغم مشواره الطويل فى عالم الكتابة ـ 50 سنة ـ إلا أنه يثابر ويكتب وينشر ، فعالمه هو الكتابة فقط ..
فى حديثة ل " الشرق الأوسط " يقول :
ـ الكتابة هى أحلامى وأملى ودنياى ، قطعت معها مراحل متعددة ، بدأت كتابة القصة فى عام 1933 كان أستاذنا الزيات يصدر مجلة " الرسالة " وكنت بطبعى أميل لقراءة الأدب باللغة الإنجليزية ، ولذلك بدأت حياتى مترجما ، بدأت أترجم أعمال الأدباء الذين كتبوا عن بشر يشابهوننا .. فترجمت عن الإنجليزية أعمال " أنطون تشيكوف " و " موبسان " لمجلة الرسالة وذلك حتى سنة 1934..
وفى السنة نفسها قمت بأول رحلة فى حياتى بمبلغ زهيد جدا من المال إلى أوربا الشرقية على ظهر باخرة رومانية ، بدأت من الإسكندرية إلى اليونان ، إلى تركيا ثم رومانيا والمجر عبر نهر الدانوب ..
وعندما عدت من هذه الرحلةكتبت قصة اسمها " الرحيل " وطبعتها فى عام 1935 على حسابى فى مطبعة بالخرنفش " منطقة فى القاهرة القديمة " وكانت من أكبر المطابع ولم يتجاوز ثمن طبع القصة الجنيهات العشرة .
وبعد قصة " الرحيل " انقطعت عن الترجمة وبدأت التأليف ، وبدأ الزيات يعرفنى كمؤلف وينشر لى قصصى فى مجلته التى كان يصدرها وحده .. أقصد مجلة " الرسالة " وكان هذا الرجل عظيما جدًا ، وقد تعلمت منه أشياء كثيرة .. لعل أهمها الصبر والجلد فى العمل .
وبعد النشر فى مجلة " الرسالة " بدأت أنشر فى معظم الصحف والمجلات المصرية تقريبا الأهرام والشعب والجمهورية والمساء وأخبار اليوم والجيل وآخر ساعة ولم أتوقف عن النشر إطلاقا .. ولم أشعر باليأس إطلاقا ..
ومن الأشياء التى أذكر أننى لم أحد عنها فى حياتى هى أننى لم أسع لتقديم قصصى لغير أديب .. ولم أقدم قصصى إلا لمن يطلب منى ، ولعل هذا سببه أننى كنت صاحب حياء شديد منذ صغرى ، ولم يكن جسمى ولا روحى يتحملان صدمة أى رد فعل فيه رفض من أى إنسان .. ولعل هذا هو ما جعلنى أبتعد عن التعامل مع الإذاعة والتليفزيون ابتعادا مطلقا ..
* ولماذا قصرت ابداعك على القصة القصيرة وحدها وأدب الرحلات ..؟
ـ أنا أولا أعتبر أن ما يكتبه الأديب فى القصة القصيرة يمكن أن يكون كافيا وضامنا لرواية طويلة من الف صفحة ، وأنا أحب التركيز ، وأتطلب من قارئى دائما الذكاء .. القارىء غير الذكى لا يفهم قصصى اطلاقا ، وقد يكون نفسى قصيرا ، ولا أمتلك الصبر على كتابة الرواية ..
* ولكنك تقرأ الرواية ..؟
ـ طبعا أقرأها .. أقرأ لدستويفسكى وتولستوى وهمنجواى ..
* وفى الرواية العربية ..؟
ـ قرأت لكل الرواد الذين عاصرونى ، قرأت لنجيب محفوظ وطه حسين وعبد الحميد جودة السحار وأقرأ أيضا لتوفيق الحكيم أول من أبدع مسرحا عربيا ، وقد استطاع أن يحبب الناس بأسلوبه الفذ فى الحوار المسرحى ..
أجيال متعددة
* هناك أجيال كثيرة من كتاب القصة ظهرت بعدك .. فهل تتابعهم ..؟ وما رأيك فى انجازهم واضافاتهم ..؟
ـ يعجبنى كتاب القصة الذين يلتزمون بقواعد القصة ولم يتحولوا إلى الموضة الجديدة .. وأنا أقرأ لـ " أبو المعاطى أبو النجا " ويعجبنى وأقرأ لأمين ريان وجمال الغيطانى وسعد حامد ، وهؤلاء يجددون وإن لم يتحولوا إلى الغموض والفقرات القصيرة ، ويقرأ القارىء فلا يفهم شيئا ، وأنا ضد هذا الغموض وهذه الموضة الجديدة ، وأرفضها رفضا باتا ..
* بالنسبة لأدب الرحلات .. هل جاء تسجيلا لكل رحلاتك ..؟
ـ أعترف بأننى سافرت إلى كثير من البلاد فى رحلات ثقافية وغير ثقافية ، ولكننى لم أكتب إلا عن تلك التى استطاعت أن تحدث فى داخلى هزة عميقة ، واستطاع أهلها أن يؤثروا فى عقلى ووجدانى ، والبلاد التى كتبت عنها وأظل أكتب عنها ولو عشت 100 سنة هى اليابان وهونج كونج والصين .. انها بلاد عظيمة تطورت وصنعت المعجزات .. ولو قرأنا ما كتبه الرحالة محمد ثابت قديما عن الصين وما يمكن أن نراه فى الصين اليوم لوجدنا أن الصين تصنع المعجزات ..
أغرب قصة
* ما حكاية أغرب قصة ..؟
ـ كنت أتردد على طبيب بالقرب من بيتى فى مصر الجديدة ، ثم انقطعت عنه فترة وعدت إليه ، وأثناء صعودى سلم البيت الذى توجد فيه عيادته ، وجدت سيدة تنزل السلم وهى تلبس السواد " ملابس الحداد " وهى فى غاية الجمال .. وما ان وصلت إلى الطابق الذى به العيادة حتى وجدت على بابها ورقة معلقة كتب عليها :
" توفى الدكتور فلان أمس وستشيع جنازته الساعة كذا "
فتعجبت كثيرا ونزلت السلم ، وخرجت هائما على وجهى فى الشوارع بلا هدف ، وعدت لأكتب قصة عن هذه الواقعة الغريبة .. يموت الطبيب ويبقى المريض ..
* وكيف تكتب ..؟
ـ أكثر من 80 / من قصصى كتبتها فى مقهى فى شارع سليمان باشا أمام سينما راديو وتحول الآن إلى محل أحذية ، وكنت أجلس على هذا المقهى من الساعة الحادية عشرة صباحا وحتى الرابعة بعد الظهر يوميا ..
مترجمون كبار
* ترجمة الأدب الأجنبى لأدبنا العربى .. ما رأيك فيها ..؟
ـ كان عندنا مترجمون فطاحل أثروا المكتبة العربية ، لكن حركة الترجمة توقفت تماما .. وتوقف الترجمة هو عمل مضر بالحياة الأدبية ضررا بالغا .. ويجب أن تستمر الترجمة أو تعود أقوى مما كانت عليه من الآداب الكلاسيكية ، ومن الأدب الحديث أيضا ، ولا يهم أن تصدر أكثر من ترجمة لعمل أدبى واحد ، فهذا لصالح القارىء فى النهاية ..
* هل يجب أن تتم الترجمة بتصرف من المترجم .. أن تكون ترجمة حرفية ..؟
ـ الترجمة يجب أن تكون فهم روح المؤلف وروح النص ..
* وهل الأديب هو أقدر إنسان على ترجمة الأدب ..؟
ـ طبعا .. وبلا شك ..
* وما رأيك فى حركة النقد الأدبى اليوم ..؟
ـ بمنتهى الصراحة أقول أن النقد الذى ينشر فى صحفنا ومجلاتنا هو مجاملات شخصية لا أكثر ولا أقل ، ونادرًا ما يقوم شخص ويتحمس لنقد عمل نقدًا موضوعيا .. وعموما أنا لا أهدى كتبى لأحد ، ولهذا فلا أحد يكتب عنى ..
* لماذا لم تتحول قصصك إلى تمثيليات تليفزيونية ..؟
ـ وكيف سيحدث هذا وأنا لا أذهب إلى مسئول فى مكتبه ، وأقضى معظم يومى فى السنوات الأخيرة فى بيتى فى مصر الجديدة .. مرة واحدة فقط عدونى من ضمن الكتاب ، وقدموا احدى قصصى فى برنامج تليفزيونى أذكر أن اسمه " كاتب وقصة " ..
جائزة جدارة
* ما هى الجوائز التى حصلت عليها ..؟
ـ جائزة واحدة فقط هى جائزة الجدارة .. فوجئت باسمى فى الجرائد بين الفائزين بها وحصلت عليها وقيمتها 1000 جنيه وقالوا لى أنها ستمنح للحاصل عليها كل سنة مدى الحياة ، ولكنهم لم يوفوا بوعدهم ..
* هل تكتب الآن عملا أدبيا جديدا ..؟
ـ أنا لا أتوقف عن الكتابة أبدا إلا عندما أموت ، وأنا دائم التكير فى الشخص المثالى الذى يجب أن يكون موجودا فى الحياة ..
* فى الفترة الأخيرة وجدنا أنك بدأت فى كتابة شىء جديد تحت عنوان " قصة القصة " ..؟
ـ نعم .. اننى فكرت أن أقدم للقراء القصة الحقيقية التى وراءكل قصة كتبتها ونشرتها لهم .. وكيف تكونت بذورها ..
* ما هى كتبك الجديدة ..؟
ـ كتابان كانا عند الناشر وشبت النر فى مطبعته فاحترقت كل الكتب إلا هذين الكتابين .. ويحمل الكتاب الأول عنوان " المأخوذ " والثانى بعنوان " السكاكين " وأنا أعتقد أن هذين الكتابين هما من أحسن ما كتبت ..
ويقول البدوى :
أشعر بسعادة كبرى لأننى حققت أمنية عزيزة على نفسى ولم أحد عنها شعرة واحدة طوال أكثر من نصف قرن .. وأظن أن من يقرأ لى أول قصة كتبتها فى حياتى كمن يقرأ لى الآن آخر قصة .. فأنا أعالج فى قصصى صنفا معينا من البشر .. أكتب عن الناس المظلومين فى الحياة .. دائما أكتب عن هؤلاء الناس .. ولا أكتب قط من فراغ وإنما أكتب من الواقع وعن الناس الذين عاشرتهم وعشت معهم ، وأشعر بعد كتابة القصة براحة نفسانية لا حد لها ..
خوف من المجهول
وبقول البدوى :
" أكتب لأدفع الملل والخوف من المجهول عن نفسى .. ولم أكتب اطلاقا وأفكر فى المجد أو الخلود أو أى شىء مما أعتبره من أحلام اليقظة .. أنا أكتب لأريح نفسى من القلق ومن الجمود ، وأنا حتى فى هذه السن الكبيرة أتحرك فى الشارع لألتقط الصور لكى أكون منها قصة ..


ليست هناك تعليقات: