الاثنين، ٨ أكتوبر ٢٠٠٧

رحلة فى عقل أديب هارب من الأضواء ـ أجرى الحوار مأمون غريب

رحلة فى عقل أديب
هارب من الأضواء


أجرى الحوار الصحفى والكاتب : مأمون غريب
عنـــوان الدوريـــة : مجلة آخر ساعة
تاريخ النشــــــر : 6 أغسطس 1969



أنه كاتب عاشق للقصة القصيرة وحدها .. ظل وفيا لها منذ أن أمسك بالقلم إلى اليوم .. لم أقرأ له يوما قصة طويلة .. ولم أقرأ له مسرحية .. كما لم أقرأ له مقالا أو بحثا نقديا ، انه عشق لونا واحدا من الفن وكرس له حياته .. ورغم أنه من رواد القصة القصيرة فى مصر .. فإننى لم أشاهده فى ندوة أدبية .. أنه يختفى من مجالس الأدباء .. وله عادة واحدة هى أنه مغرم بمشاهدة الأفلام .. وفى بعض الأيام يدخل أكثر من فيلم فى يوم واحد ..
وقد شعرت بالحيرة فعلا عندما حاولت أن ألتقى به .. هل سيهرب من أسئلتى .. كما يهرب من الندوات الأدبية والفنية .. وكيف العثور عليه ..؟
وبصعوبة التقيت به .. وبصعوبة أكثر حاولت أن أفتح فمه للحديث .. كانت اجاباته مختصرة للغاية .. ومع ذلك فهى تقريبا من أفكاره ومن رؤياه للحياة وما يعتمل فيها من صراعات ..
ولم أجد أمامى إلا أن أعيد قراءة بعض أعماله الفنية " الذئاب الجائعة " و " العربة الأخيرة " و " غرفة على السطح " و " زوجة الصياد " وغيرها لعلى أجد الخيط الذى يربط انتاجه الأدبى وأستطيع أن أقدم صورة عن الكاتب من خلال أعماله نفسها ..
***
والتقيت به .. وكان أول سؤال تبادر إلى ذهنى هو :
* كيف بدأ حياته الأدبية ..؟
وبهدوء أجاب :
ـ بدأت حياتى الأدبية أترجم لتشيكوف ومكسيم جوركى وموبسان فى مجلة الرسالة للزيات ، ثم وجدت فى نفسى الموهبة والقدرة على التأليف .. فكتبت قصة " الرحيل " بعد رحلة إلى أوربا الشرقية ، ثم مجموعة قصص باسم " رجل " وقد نشرت منها قصة " الأعمى " فى مجلة الرسالة أيضا ..
* وأعود أسأله عن أثر رحلاته على عمله الفنى ..؟
ـ لاشك أن الرحلات ساعدت على اتساع أفق حياتى .. وميدان ملاحظاتى ومن دائرة تجاربى ، وظهر أثر ذلك فى القصص التى كتبتها عن الحياة فى تلك البلاد ..
* إلى أى مدرسة تنتمى ..؟
ـ المدرسة الواقعية ..
* أى واقعية ..؟
ـ كل يفسرها على حسب هواه ..
***
انك تقرأ أعمال محمود البدوى فتحس أنك أمام فنان واضح .. عبارته سهلة .. أسلوبه بعيد عن التنميق اللفظى .. معانيه واضحة .. أفكاره منسقة .. وتحس أنك أمام انسان كثير التجارب أو انسان شديد الملاحظة بما يدور حوله من تجارب .. وتحس بأنه أكثر عمقا وتركيزا عندما يتحدث عن ريف الصعيد بما فيه من قيم وعادات وتقاليد .. وما فيه من تناقضات أيضا .. وتحس أيضا أنك قد خرجت بشىء جديد .. خاصة فى أعماله المأخوذة عن البيئة فى أعماق الصعيد ..
انه يصور ببراعة كيف تتشابك الجريمة مع الفقر لخلق جو معين فى الصعيد .. ثم ما يتولد عن هذه الجريمة من بعض العادات التى تصاحب هذا الجو ..
ولكن الملاحظ على أدب محمود البدوى أنه فى تصويره للعلاقة بين الرجل والمرأة يصورها على أساس جنس خالص .. معظم قصصه يدور محورها حول هذه الغريزة ، وكيف يستطيع البطل فى النهاية أن يصل إلى فريسته ..
وبالطبع فإن لمحمود البدوى رأيا يختلف عن ذلك .. فهو يرى أن الجنس فى قصصه ليس المقصود به الجنس فى حد ذاته .. ولكن القاء الضوء على بعض مظاهر الحياة ..
وقد حاولت أن أجره إلى هذا الحديث بطريقة غير مباشرة ، فسألته :
* هل هناك صداقة بين الرجل والمرأة ..؟
ـ أعتقد أنه لا يوجد بين الرجل والمرأة شىء اسمه الصداقة أبدًا .. وإنما يوجد حب .. والحب ليس معناه الصداقة أبدًا .. الحب بين الرجل والمرأة هو الأنانية والسيطرة .. أنا شخصيا أعرف أنى أحب عندما أكتب قصة جيدة .. وأتغلب فى حياتى على كل ما يعترضنى من عراقيل وأصبح لا أعبأ بالتوافه وأشعر بالمودة والأخوة نحو الآخرين ، وأشعر كأنى أحلق فى السماء وأحب الخير للإنسانية جمعاء ، وأشعر فى لحظة بأنى أحب ..
* ..........؟
ـ الحب الحقيقى لا يمكن أن يتجه إلا لشخص معين ، والذى ينتقل من امرأة إلى أخرى هو شخص يلهو ، ولا يمكن أن يكون الحب متمكنا من أعماقه .. فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة .
* ............؟
ـ أعتقد أنه لا يوجد حب من أول نظرة أبدًا ، فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة ..
* ...........؟
ـ الواقع أنه قد أصبحت فى حياتى امرأة واحدة .. وهذه المرأة هى التى تدور حولها معظم قصصى .. أما من هى هذه المرأة .. فهذا سرى .. ويجوز أن تكون زوجتى .. وقد تكون امرأة أخرى . .
* كان سقراط يعتقد أن أصعب الأسئلة هى التعريف .. فهل يمكن أن تقدم تعريفا لهذه القيم الانسانية .. الحق .. الخير .. الجمال .. السلام .. يقاطعنى هاربا من الاجابة قائلا :
ـ هذه كلها مسميات لها تعريف واحد .. فهى " أكسير الحياة وسر وجودها " ..
* من الذى بهرك من الكتاب ..؟
ـ مكسيم غوركى ..
* لماذا ..؟
ـ لأنه جبار ظل يصارع الحياة حتى انتصر عليها ..
* متى يصل أدبنا إلى المرحلة العالمية ..؟
ـ إذا وسعنا من دائرة تفكيرنا وخرجنا إلى النماذج الانسانية العالمية ..
* لماذا يتخلف نقدنا عن مواكبة الحركة الأدبية ..؟
ـ لأنه محصور فى حيز الشلل والعواطف الشخصية ..
* ما هى أحلامك ..؟
ـ أن يسود السلام البشرية .. وأن يتحرر العالم من الفقر والجوع والاضطهاد وذل العبودية ، وأن يتحقق للإنسان حريته ككائن بشرى خلقه الله حرًا كريما ( وأن تصل أمتى إلى غايتها من الرقى والحضارة والخير لبنيها والبشرية جمعاء ) .
***
لقد انتهيت من حديثى مع محمود البدوى .. أو هكذا أجبرنى على أن يكون هذا الحديث .. ومع ذلك فقد تداعت إلى ذهنى كلمات أستاذ موبسان له .. بأن يكون على صلة مباشرة بالواقع .. بأن يبتعد عن الأضواء .. بأن يعرف أن الفن هو الصبر الطويل .. بأن يبتعد عن تقليد أحد .. أليست هذه الصورة تنطبق على كاتبنا ..؟!

ليست هناك تعليقات: